كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن عبد البر مشيرًا إلى الكيفية التي ذكرنا، وهي رواية القاسم بن محمد، عند مالك، وهذا الذي رجع إليه مالك بعد أن قال بحديث يزيد بن رومان، وإنما اختاره ورجع إليه للقياس على سائر الصلوات: إن الإمام لا ينتظر الماموم، وإن المأموم إنما يقضي بعد سلام الإمام، وحديث القاسم هذا الذي أخرجه مالك في الموطأ موقوف على سهل، إلا أن له حكم الرفع. لأنه لا مجال للرأي فيه والتحقيق أنه مرسل صحابي. لأن سهلًا كان صغيرًا في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وجزم الطبري، وابن حبان، وابن السكن، وغيرهم بأن النَّبي صلى الله عليه وسلم توفي وسهل المذكور ابن ثماني سنين، وزعم ابن حزم، أنه لم يرد عن أحد من السلف القول بالكيفية التي ذكرنا أنها رجع إليها مالك، ورواها في موطئه عن القاسم بن محمد، هذا هو حاصل مذهب مالك في كيفية صلاة الخوف. قال أولًا: بأن الإمام يصلي بالطائفة الأولى، ثم تتم لأنفسها، ثم تسلم، ثم يصلي بقية الصلاة بالطائفة الأخرى وينتظرها حتى تتم، ثم يسلم بها ورجع إلى أن الأمام يسلم إذا صلى بقية صلاته مع الطائفة الأخرى، ولا ينتظرهم حتى يسلم بهم بل يتمون لأنفسهم بعد سلامه، كما بينا.
والظاهر أن المبهم في رواية يزيد بن رومان في قول صالح بن خوات، عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، أنه أبوه خوات بن جبير الصحابي، رضي الله عنه، لا سهل بن حثمة، كما قال بعضهم.
قال الحافظ في الفتح: ولكن الراجح أنه أبوه خوات بن جبير. لأن أبا أويس، روى هذا الحديث، عن يزيد بن رومان شيخ مالك فيه فقال: عن صالح بن خوات، عن أبيه، أخرجه ابن منده في معرفة الصحابة من طريقه، وكذلك أخرجه البيهقي، من طريق عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات، عن أبيه، وجزم النووي في تهذيبه بأنه ابوه خوات، وقال: إنه محقق من رواية مسلم وغيره، قلت: وسبقه إلى ذلك الغزالي، فقال إن صلاة ذات الرقاع في رواية خوات بن جبير اه. محل الغرض منه بلفظه.
ولم يفرق المالكية بين كون العدو إلى جهة القبلة وبين كونه إلى غيرها، وأما إذا اشتد الخوف والتحم القتال، ولم يمكن لأحد منهم ترك القتال فإنهم يصلونها رجالًا وركبانًا إيماء مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، كما نص عليه تعالى بقوله: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]. الآية.
وأما الشافعي- رحمه الله- فإنه اختار من هيئات صلاة الخوف أربعًا:
إحداها: هي التي ذكرنا آنفًا عند اشتداد الخوف والتحام القتال، حتى لا يمكن لأحد منهم ترك القتال، فإنهم يصلون كما ذكرنا رجالًا وركبانًا إلخ الهيئة.
الثانية: هي التي صلاها صلى الله عليه وسلم ببطن نخل، وهي أن يصلي بالطائفة الأولى صلاتهم كاملة ثم يسلمون جميعهم: الإمام والمأمومون ثم تأتي الطائفة الأخرى التي كانت في وجه العدو فيصلي بهم مرة أخرى هي لهم فريضة وله نافلة، وصلاة بطن نخل هذه رواها جابر وأبو بكرة، فأما حديث جابر فرواه مسلم أنه صلى مع النَّبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعتين ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وصلى بكل طائفة ركعتين.
وذكره البخاري مختصرًا ورواه الشافعي والنسائي وابن خزيمة من طريق الحسن عن جابر وفيه أنه سلم من الركعتين أولًا ثم صلى ركعتين بالطائفة الأخرى.
وأما حديث أبي بكرة فرواه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم والدارقطني، وفي رواية بعضهم أنها الظهر، وفي رواية بعضهم أنها المغرب، وإعلال ابن القطان لحديث أبي بكرة هذا بأنه أسلم بعد وقوع صلاة الخوف بمدة، مردود بأنا لو سلمنا أنه لم يحضر صلاة الخوف فحديثه مرسل صحابي ومراسيل الصحابة لهم حكم الوصل كما هو معلوم، واعلم أن حديث أبي بكرة ليس فيه أن ذلك كان ببطن نخل.
وقد استدل الشافعية بصلاة بطن نخل هذه على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل.
واعلم أن هذه الكيفية التي ذكرنا أنها هي كيفية صلاة بطن نخل كما ذكره النووي وابن حجر وغيرهما قد دل بعض الروايات عند مسلم والبخاري وغيرهما على أنها هي صلاة ذات الرقاع، وجزم ابن حجر بأنهما صلاتان، والله تعالى أعلم.
وقد دل بعض الروايات على أن صلاة نخل هي صلاة عسفان والله تعالى أعلم.
الهيئة الثالثة: من الهيئات التي اختارها الشافعي: صلاة عسفان، وكيفيتها كما قال جابر رضي الله عنه قال: «شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصفنا صفين، صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النَّبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعًا ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النَّبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المتقدم، ثم ركع النَّبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولى، وقام الصفالمؤخر في نحور العدو فلما قضى النَّبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النَّبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعًا» هذا لفظ مسلم في صحيحه وأخرج نحوه النسائي والبيهقي من رواية ابن عباس ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم من رواية أبي عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت وهو صحابي.
وقول ابن حجر في التقريب في الكنى: إنه تابعي الظاهر أنه سهو منه رحمه الله، وإنما قلنا: إن هذه الكيفية من الكيفيات التي اختارها الشافعي مع أنها مخالفة للصورة التي صحت عنه في صلاة عسفان. لأنه أوصى على العمل بالحديث إذا صح، وأنه مذهبه، والصورة التي صحت عن الشافعي- رحمه الله- في مختصر المزني والأم أنه قال صلى بهم الإمام وركع وسجد بهم جميعًا إلا صفًا يليه أو بعض صف ينتظرون العدو، فإذا قاموا بعد السجدتين سجد الصف الذي حرسهم، فإذا ركع ركع بهم جميعًا وإذا سجد سجد معه الذين حرسوا أولًا إلا صفًا أو بعض صف يحرسه منهم، فإذا سجدوا سجدتين وجلسوا سجد الذين حرسوا ثم يتشهدون ثم سلم بهم جميعًا معًا، وهذا نحو صلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم بعسفان، قال: ولو تأخر الصف الذي حرس إلى الصف الثاني وتقدم الثاني فحرس فلا بأس انتهى بواسطة نقل النووي.
والظاهر أن الشافعي- رحمه الله- يرى أن الصورتين أعني: التي ذكرنا في حديث جابر وابن عباس وأبي عياش الزرقي والتي نقلناها عن الشافعي كلتاهما جائزة واتباع ما ثبت في الصحيح أحق من غيره، وصلاة عسفان المذكورة صلاة العصر.
وقد جاء في بعض الروايات عند أبي داود وغيره أن مثل صلاة عسفان التي ذكرنا صلاها أيضًا صلى الله عليه وسلم يوم بني سليم.
الرابعة: من الهيئات التي اختارها الشافعي- رحمه الله- هي: صلاة ذات الرقاع، والكيفية التي اختارها الشافعي منها هي التي قدمنا رواية مالك لها عن يزيد بن رومان، وهي أن يصلي بالطائفة الأولى ركعة ثم يفارقونه ويتمون لأنفسهم ويسلمون، ويذهبون إلى وجوه العدو وهو قائم في الثانية يطيل القراءة حتى يأتي الآخرون فيصلي بهم الركعة الباقية ويجلس ينتظرهم حتى يصلوا ركعتهم الباقية، ثم يسلم بهم، وهذه الكيفية قد قدمنا أن مالكًا رواها عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات بن جبير عمن صلى مع النَّبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف يوم ذات الرقاع، وأخرجها الشيخان من طريقه فقد رواه البخاري عن قتيبة عن مالك ومسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك نحو ما ذكرنا، وقد قدمنا أن مالكًا قال بهذه الكيفية أولًا ثم رجع عنها غلى أن الإمام يسلم ولا ينتظر إتمام الطائفة الثانية صلاتهم حتى يسلم بهم.
وصلاة ذات الرقاع لها كيفية أخرى غير هذه التي اختار الشافعي وهي ثابتة في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: صلَّى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم، مقبلين على العدو، وجاء أولئك ثم صلى بهم النَّبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم النَّبي صلى الله عليه وسلم، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة.
هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري بمعناه، ولم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا، وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى. لأن إتمامهم في حالة واحدة يستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده، ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه: ثم سلم فقام هؤلاء أي: الطائفة الثانية فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا ثم ذهبوا ورجع أولئك غلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا. وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها، واعلم أن ما ذكره الرافعي وغيره من كتب الفقه من أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا مخالف للروايات الثابتة في الصحيحين وغيرهما، وقال ابن حجر في الفتح: إنه لم يقف عليه في شيء من الطرق وأما الإمام أحمد- رحمه الله- فإن جميع أنواع صلاة الخوف الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم جائزة عنده، والمختار منها عنده صلاة ذات الرقاع التي قدمنا اختيار الشافعي لها أيضًا، هي: أن يصلي الإمام بالطائفة الأولى ركعة ثم يتمون لأنفسهم ويسلمون ويذهبون إلى وجوه العدو. ثم تأتي الطائفة الخرى فيصلي بهم الركعة الخرى ثم يصلون ركعة فإذا أتموها وتشهدوا سلم بهم.
وأما الإمام أبو حنيفة- رحمه الله- فالمختار منها عنده، أن الإمام يصلي بالطائفة الأولى ركعة إن كان مسافرًا، أو كانت صبحًا مثلًا، واثنتين إن كان مقيمًا، ثم تذهب هذه الطائفة الأولى إلى وجوه العدو، ثم تجيء الطائفة الأخرى ويصلي بهم ما بقي من الصلاة ويسلم، وتذهب هذه الطائفة الأخيرة إلى وجوه العدو، وتجيء الطائفة الأولى، وتتم بقية صلاتها بلا قراءة. لأنهم لاحقون، ثم يذهبون إلى وجوه العدو، وتجيء الطائفة الأخرى فيتمون بقية صلاتهم بقراءة. لأنهم مسبوقون، واحتجوا لهذه الكيفية بحديث ابن عمر المتقدم وقد قدمنا أن هذه الكيفية ليست في رواية الصحيحين وغيرهما لحديث ابن عمر.
وقد قدمنا أيضًا من حديث ابن مسعود عند أبي داود أن الطائفة الأخرى لما صلوا مع النَّبي صلى الله عليه وسلم الركعة الأخرى أتموا لأنفسهم فوالوا بين الركعتين، ثم ذهبوا إلى وجوه العدو فجاءت الطائفة الأولى فصلوا ركعتهم الباقية.
هذا هو حاصل المذاهب الأربعة في صلاة الخوف.
وقال النووي في شرح المهذب: صلاة ذات الرقاع أفضل من صلاة بطن نخل على أصح الوجهين. لأنها أعدل بين الطائفتين. ولأنها صحيحة بالإجماع وتلك صلاة مفترض خلف متنفل وفيها خلاف للعلماء.
والثاني وهو قول أبي إسحاق، صلاة بطن نخل أفضل لتحصل كل طائفة فضيلة جماعة تامة. واعلم أن الإمام في الحضرية يصلي بكل واحدة من الطائفتين ركعتين، وفي السفرية ركعة ركعة، ويصلي في المغرب بالأولى ركعتين عند الأكثر.
وقال بعضهم: يصلي بالأولى في المغرب ركعة، واعلم أن التحقيق أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، وإن جزم جماعة كثيرة من المؤرخين بأن غزوة ذات الرقاع قبل خيبر، والدليل على ذلك الحديث الصحيح أن قدوم أبي موسى الأشعري على النَّبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر مع الحديث الصحيح أن أبا موسى شهد غزوة ذات الرقاع.
قال البخاري في صحيحه: حدثني محمد بن العلاء، حدثنا أبو سامة، حدثنا بُرَيد بن عبد الله عن أبي موسى رضي الله عنه قال: «بلغنا مخرج النَّبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم، إما قال بضع، وإما قال في ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلًا من قومي، فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا، فوافقنا النَّبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر» الحديث...، وفيه التصريح بأن قدوم أبي موسى، حين افتتاح خيبر.